التلقيح الاصطناعي باعتباره احدث الوسائل العلمية للإنجاب مؤكدا على انه لا يمكن اللجوء إليه إلا في ايطار وجود عقد زواج الذي يعطي الأساس القانوني للعملية و منع اللجوء للأمم البديلة ، هذا كله باعتبار أن هذه الحالة هي من مستجدات العصر و من أمهات مسائل الفقه الجديدة و قد اعتمدت معايير و حددت شروط لا تتعارض مع أحكام الشرع و لا الطب.
أولا : شروط اللجوء إلى عملية التلقيح الاصطناعي :
عملية التلقيح الاصطناعي هي إدخال البذور الذكرية في الجهاز التناسلي للمرأة بغير الطريق الطبيعي ، وهذه العملية الحساسة تتم بكيفيتين هما التلقيح الداخلي و التلقيح الخارجي إلا انه و تنظيما لكل هذا ضبط المشرع هذه العملية بشروط وردت في نص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة و هي :
1-أن يكون الزواج شرعيا :
أي أن يثبت الزواج الصحيح بين الزوجين و وجود عقد زواج يعطي العملية أساسها القانوني وقد سبق التطرق إلى هذه النقطة أي الزواج الشرعي في الفرع الأول.
2- أن يكون التلقيح برضى الزوجين و أثناء حياتهما :
و قد وضع هذا الشرط حتى يلجأ الناس الى استعمال بنوك النطاف المجمدة و ما قد ينجر عنها
من فساد و اختلاط في الأنساب و تحايل من جهة , و نظرا لكون العلاقة الزوجية تنقضي بالوفاة من جهة أخرى ,و بالتالي لا يجوز أن تلقح المرأة بنطاف زوجها تلقيحا اصطناعيا و يلحق به النسب و العلاقة الزوجية تكون قد انتفت أو انتهت كما أنه لا نسب بعد الوفاة أو أقصى مدة الحمل و التي هي عشرة شهور وفقا لأحكام قانون الأسرة لا سيما المادة 43 من قانون الأسرة(1).
3- أن يتم بمني الزوج وبويضة رحم الزوجة دون غيرهما :
أجاز المشرع التلقيح الصناعي بالوسائل العلمية الحديثة باستعمال ماء الزوجين فقط حفاظا
على حرمة النسب و شرعيته و الذي كان قد أفتى بجوازه الشيخ أحمد حماني عليه رحمة الله منذ 1973 ,ولم يكن منفردا برأيه ولا بفتواه إذا اعتمدت توصيات اللجنة الوطنية لمراجعة قانون الأسرة على مبادئ الاجتهاد الجماعي سيما اجتهاد مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان الأردن أيام :11-16 أكتوبر 1986 بموجب قرار رقم 16 (04/03) الذي قرر جواز التلقيح الاصطناعي شرعا بطريقتين و حرمت ما عداها بعد الاستماع لشرح الخبراء و الأطباء و الطريقتان اللتين لا حرج من
(1) بن داود عبد القادر ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ، ص 113
اللجوء إليهما هما وفقا لمنطوق قرار مجمع الفقه الإسلامي (1).
1- أن تأخذ نطفة من الزوج و بويضة من زوجته و يتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
2- أن تأخذ بذرة الزوج و تحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليا.
ثانيا : مسألة تخلف إحدى شروط عملية التلقيح الإصطناعي :
عندما أباح المشرع الجزائري اللجوء إلى عملية التلقيح الإصطناعي بموجب الأمر 05/02 المعدل والمتمم لقانون الأسرة ،وضع شروطا سبق تبيانها على الوجهالذي ذكرناه ،إلا أنه لم يوضح الجزاء المترتب على تخلف إحدى هذه الشروط الواردة في المادة 45 مكرر ،نضرا لإعتبارها شروطا في غاية الأهمية تجعل التفكير عن الاثار المترتبة على تخلفها في غاية الدقة ،ومن تمة كان لا بد من التساؤل عن هذه المسألة.
فلو تصورنا مثلا أن عملية التلقيح الإصطناعي قد تمت من غير مني الزوج أو من دون عقد زواج شرعي أو بتخلف شرط موافقة الزوج الصريحة فما أثر ذلك ? وما موقف المشرع الجزائري في هذه المسألة?
في حقيقة الأمر أن المشرع الجزائري قد وضع إيطارا قانونيا لميألة التلقيح الإصطناعي دون أن
يفكر فيما يرتبه تخلف إحدى شروطه من اثار على العلاقة الزوجية من جهة أولى وبالنسبة لثبوت ونفي
النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (2) .
(1) قرارات و توصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ،للدورات 1-10 القرارات 1-97 عن منشورات دار القلم بدمشق و مجمع الفقه الإسلامي بجدة ،الطبعة 02 سنة 1998.
(2) د/إدوار غالي الذهبي ،دراسات في قانون العقوبات المقارن،جريمة التلقيح الإصطناعي في قانون العقوبات الليبي ، ص131
المادة 403 مكرر(أ) و 403 مكرر (ب) ،نشر هذا القانون،رقم 175 الصادر عن مجلس قيادة الثورة في الجريدة الرسمية، عدد 61 بتاريخ 23/12/1972 .
النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (1) .
فقد جاء في نص المادة 403 مكرر (أ) أنه :"كل من لقح إمرأة تلقيحا صناعيا بالقوة أو التهديد أو الخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات..... وتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على خمسة سنوات إذا كان التلقيح برضاها ،وتزاد العقوبة بمقدار النصف إذا وقعت الجريمة من طبيب أو صيدلي أو قابلة أو أحد معاونيهم "
أما المادة 403 مكرر (ب) فتنص على أنه :" تعاقب المرأة التي تقبل تلقيحها صناعيا أو تقوم بتلقيح نفسها صناعيا بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات، و يعاقب الزوج بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا كان التلقيح بعلمه ورضاه وسواء وقع التلقيح من الزوجة أو من الغير"
لذلك كان على المشرع التفكير في وضع إيطار جزائي لمثل هذه المخالفات كأثر يترتب على تخلف هذه الشروط التي تكتسي أهمية بالغة مثلما ذهبت إليه باقي التشريعات .
4- لا يجوز استعمال الأم البديلة :
رأي المشرع منع استعمال الأم البديلة ، حتى لا تتحول الأمومة إلى سلعة تؤجر و تستأجر ،
لأن الأمومة ليست فقط علاقة بيولوجية بل معنى الأمومة إنما يكمن في الحمل أساسا ، لذلك قال تعالى :ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن "(1) وقال "حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله و فصاله ثلاثون شهرا" (2).فربط القران الكريم بين الحمل و الأمومة فالتي تحمل هي الأم و ليست من تمنح البيضة لغيرها لقاء أجر معين ،فتعين من باب سد الذرائع و درأ المفسدة بمنع الأم البديلة مهما كان في هذه الطريقة من مصلحة آتية لان المفسدة فيها أكبر (3).
(1) الآية 14 من سورة لقمان.
(2) الآية 15 من سورة الأحقاف.
(3) بن داود عبد القادر،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ص113.
رابعا :عدم نفي الولد بالطرق المشروعة :
المشرع الجزائري لم يورد عبارة اللعان صراحة في المادة 41 من قانون الأسرة غير أن
عبارة اللعان وردت في المادة 138 من نفس القانون :"يمنع من الإرث اللعان و الرد".
فيستخلص من عموم عبارة "لم ينفه بالطرق المشروعة" انه رغم الحالات التي ذكرت في
المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري لثبوت النسب إلا أن المشرع أجاز للزوج نفيه بالطرق المشروعة فطبقا للقواعد و الأحكام الشرعية العامة ،حين يظهر حمل الزوجة و تبين للزوج أنه زنى زوجته ،يحق له
أن يدعي أن هذا الحمل ليس منه ،أما إذا مضى وقت طويل نسبيا بعد الحمل أوالوضع فانه لا يقبل منه نفي نسبه،وعلى هذه المبادئ سار القضاء الجزائري في أحكامه ،وقد جاء في قرار للمحكمة العليا:"اللعان لا يتم أمام المحاكم بل مكانه المسجد العتيق ولا يصبح من غيره ولا يصبح في غيره من المساجد ،وفي أجل محدد لا يتجاوز 08 أيام من يوم العلم بالحمل الذي يراد نفيه"
هذا ما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا ،مع أن الإمام مالك رضي الله عنه ،فقد حدد بيوم
واحد من يوم العلم و الإسقاط الحق في المطالبة باللعان سواء لرؤية أو لنفي الحمل (1)
أما عن كيفية إجراء الملاعنة بين الزوجين فانه إذا تبين للزوج احتمال خيانة زوجته له و يريد نفي المولود الذي أتت به بين أدنى و أقصى مدة الحمل أثناء قيام الزوجية فليس له إلا أن يرفع دعوى اللعان أمام المحكمة وبعد تعيين جلسة سرية يحضرها الزوج و الزوجة ويعرض كل منهما حججه و ادعاءاته وإذا أصر الزوج على اتهام الزوجة بالزنا فان القاضي يأمره بالملاعنة وهي أن يحلف ويقول أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به ويكرر هذا أربع وفي الخامسة يقول أن لعنة عليه أن كان من الكاذبين ،ثم يأمر الزوجة بعد ذلك أن تحلف و تقول أشهد بالله أنه لمن الكاذبين وتكررها أربع مرات وفي المرة الخامسة تقول :"أنه غضب الله عليها إن كان من الصادقين" و بعد الانتهاء من هذه الصيغة الشرعية يثبت القاضي ذلك في حكمه ويقرر التفريق بينهما حالا بطلقة بائنة.(2)
أما حكم الامتناع عن اللعان من الناحية القانونية :
فان امتناع الزوج عن اللعان يعرضه للمتابعة بتهمة القذف تطبيقا لأحكام المادة 296
من قانون العقوبات،أما المادة 298 فتحدد العقوبة بالحبس من 5 أيام إلى 6 أشهر وبغرامة من 150 إلى 1500دج أو بإحداها.
أما إذا كان الامتناع عن اللعان من الزوجة فان أحكام المادة 341 من قانون العقوبات نصت على
1) رسالة قانونية ،سنة 2002 ، ص15 ،قرار المحكمة العليا ،غ أ ش مؤرخ في 28/10/97
(2) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي والتلقيح الإصطناعي ، رسالة ماجستير في القانون الخاص ،سنة 2000 ص 80 .
أن تهمة الزنا لا تثبت إلا بثلاث وسائل ،بموجب محضر يحرره أحد رجال الضبط القضائي في حالة تلبس أو بإقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم أو إقرار قضائي ،ومن تم فانه بعدم توفر أحد هذه الأمور الثلاثة لا يمكن متابعة الزوجة بتهمة الزنا ،أو تفسير نكولها عن اللعان بأنه اعتراف ضمني منها بالزنا.
وعليه فإذا استطاع الزوج تقديم الدليل المذكور أعلاه فلا لعان حيث أن الزنا ثابت و اللعان
ما شرع إلا عندما لا يمكن للزوج أن يثبت الزنا بالدليل المطلوب ’لذا يمكنه قانونا رفع دعوى
اللعان أمام القضاء وقد حكم بأنه عند انعدام البينة على جريمة الزنا ،يستوجب اللعان بين الطرفين.
وتجدر الملاحظة في هذا المجال أن نفي الولد بالطرق المشروعة قد فتح أمام التعديل الذي
طرأ على المادة 40 بموجب الأمر 05/02 ،فيما يخص الطرق العلمية كوسيلة من وسائل هذا النفي ،باعتبارها من الطرق العلمية المشروعة لنفي النسب ،ذلك أن مفهوم المخالفة في ذلك أن استعمال هذه الوسائل لإثبات النسب يقتضي بالضرورة ،ومن باب أولي استعمل كذلك للنفي ،ما دامت تؤدي إلى نفس النتيجة الأكثر حتمية مقارنة باللعان الذي يبقى مجرد تصريح للزوجين يحتمل الصدق و الكذب معا .
إلا أنه و نظرا إلى كون الطرق العلمية هي الأمر الجديد في البحث و الذي خصصنا له مبحثا
كاملا في الفصل الثاني نتعرض فيه وبصورة أدق إلى دور هذه الطرق العلمية الحديثة سواء في مجال إثبات النسب أو الصورة العكسية أي نفيه نتناول هذه المسألة في العنوان المخصص لها.
المطلب الثاني: ثبوت النسب بعد الطلاق أو وفاة الزوج:
قد تكون الفرقة بين الزوجين بالطلاق أو الوفاة ، والسؤال الذي يمكن طرحه فيما يخص هذا
الموضوع هو إذا جاءت الزوجة بولد بعد الطلاق أو وفاة زوجها ،فهل ينسب إلى زوجها دون قيد أو شرط أم أنه هناك شروط لا بد من توفرها لإمكانية نسب الولد لأبيه ??
وهل أن نسب الولد لأبيه من طلاق يخضع لنفس الشروط لنسبه لأبيه من وفاة ?
لقد جددت المادة 43 من قانون الأسرة حكم المطلقة أو المتوفى عنها زوجها على أنه يثبت نسب
ولدها إذا ولدته خلال عشرة أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة لكن كما هو معلوم فالطلاق رجعي و بائن إلا أن المشرع الجزائري لم يميز بين المطلقة رجعيا و المطلقة بائنا مع أن الفقهاء فرقوا بينهما ، والفرق أن الطلاق الرجعي لا يرفع قيد الزواج إلا بعد انقضاء العدة و يمكن للزوج مراجعة زوجته و مجامعتها خلال فترة العدة وقد تحمل خلال ذلك وتمضي 10 أشهر على وقوع الطلاق ،ولم يمضي بعد عشرة أشهر على المراجعة الفعلية بوقوع زوجته (1) ،أما الطلاق البائن مثل الموت يرفع قيد الزواج على الحال (2).
لذلك لا بد من التمييز بين الطلاق الرجعي و البائن.
(1) د/ العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ،الزواج و الطلاق ، ص 193
(2) أحمد إبراهيم بك / واصل علاء الدين أحمد إبراهيم ،أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة و القانون سنة 1994،ص501
الفرع الأول: ثبوت نسب الولد بعد الطلاق:
أولا : نسب المولود بعد طلاق رجعي :
تنص المادة 43 من قانون الأسرة على أن الولد ينسب لأبيه إذا وضع الحمل خلال عشرة أشهر
من تاريخ الانفصال أو الوفاة.
* لكن وقبل التوسع أكثر في هذه النقطة لا بد من التعرض للغموض الذي تثيره كلمة" الانفصال" الواردة في نص المادة 43 من قانون الأسرة فالمادة 43 نصت على كلمة انفصال و التي يقابلها بالنص
.séparationالفرنسي
في حين تنص المادة 60 من نفس القانون على الطلاق الذي تقابله في النص الفرنسي كلمة .divorce
فهل المشرع قصد بالانفصال، الطلاق بمعنى الانفصال الجسدي (عدم الاتصال الجسدي) بين الزوجين مع بقائهما متزوجين أم يقصد به الطلاق بحكم من القاضي ??
فالقول أن الانفصال هو الطلاق كما هو وارد في نص المادة 60 من قانون الأسرة قد يضعنا
أمام مشكل في الواقع العملي فالطلاق في ظل القانون الجزائري لا يكون إلا بحكم وفقا للمادة 49 من قانون الأسرة ،لذلك فإننا نبدأ في حساب مدة العشرة أشهر من يوم صدور حكم الطلاق من القاضي ،لكن فهذه الوضعية تضعنا أمام صورة شاذة صورتها أنه يمكن للزوجة المطلقة أن تلد ولدا خلال مدة عشرة أشهر من تاريخ صدور حكم الطلاق وعلى هذا الأساس يثبت النسب للمطلق ويسجل في سجلات الحالة المدنية على اسمه ،إلا أن واقع الأمر أن الطفل قد أنجب خلال مدة أكبر من عشرة أشهر و هذا ما يتناقض و المبادئ الأساسية للنسب سواء شرعا أم قانونا لذلك فالمعنى الأصح للانفصال و الذي يتماشى مع أحكام النسب الشرعية هو الانفصال الفعلي بين الزوجين بغض النظر عن الطلاق بحكم القاضي الذي قد يتأخر صدوره عن تاريخ الانفصال الحقيقي للزوجين أي من يوم تلفظ الزوج للطلاق و فراقه لزوجته.
لكن و بما أن القانون لم يعطينا الحل هل حساب المدة المرجوة (العشرة أشهر) تحسب من تاريخ
الانفصال أو من تاريخ الطلاق بحكم القاضي ?
لهذا فالحل والى أن يكون النص القانوني غاية في الوضوح الأمر يعود إلى القاضي وتفسيره لكلمة "الانفصال"
أي يفسرها قياسا على القواعد العامة للنسب.
وكما قلنا سابقا أن المشرع لم يميز بين الطلاقين الرجعي والبائن ،إلا أن الطلاق الرجعي يمكن
فيه للزوج مراجعة زوجته خلال فترة العدة فيجامعها لذلك فانه إذا جاء الولد خلال فترة العدة دون إقرار الزوجة بانقضاء مدتها ففي هذه الحالة يثبت النسب من الزوج المطلق هذا سواء أتت به الزوجة لأقل مدة الحمل أو لأقصاها أو حتى لأكثر من عشرة أشهر من تاريخ الطلاق أما إذا جاء الولد بعد انقضاء العدة وهذا بإقرار الزوجة شخصيا بانتهاء المدة ففي هذه الحالة علينا التمييز بين :
- ما إذا أتت الزوجة بالطفل لأكثر من ستة أشهر من إقرارها فبذلك لا ينسب للمطلق لأنه يحتمل أن تلده الزوجة لرجل أخر.
- أما إذا جاءت بالطفل لأقل من ستة أشهر من إقرارها يثبت النسب للأب المطلق على أن المدة بين الطلاق (الفرقة) ووضع الحمل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل وهنا يثبت أن إقرارها غير صحيح بمعنى كاذب هذا لحملها في فترة العدة التي كانت تدعي انتهائها .
إلا أننا نلاحظ من خلال نص 43 من قانون الأسرة أنها وضعت شرطا واحدا لإمكانية إلحاق الولد
بالزواج المطلق أو المتوفى عن زوجته ، وهو ولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة ،وعليه فإذا كانت الزوجة المد خول بها الحامل قد جاءت بمولود بعد يوم أو أسبوع أو شهر من وفاة زوجها أو طلاقها منه فان هذا المولود ينسب إلى الزوج دون ريب أو خلاف ،وإذا لم يكن حملها ظاهرا قبل الطلاق أو الوفاة فان هذا الولد يلحق بأبيه إذا وقعت الولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال ،ويسجل في سجل الحالة المدنية على لقب الزوج أو اسمه ، ولكن إذا وقعت ولادته بعد مرور أكثر من 10 أشهر بعد الطلاق أو مرت فلا يثبت نسبه إلى أبيه ، إلا إذا نسبته الزوجة دون علم الزوج المطلق أو المتوفى أورثته ومن هنا من حق أي شخص له مصلحة أن يطعن في هذا النسب ويرفع دعوى أمام القضاء تتعلق بإسناد نسب
المولود إلى الزوج زورا (1).
ثانيا : نسب الولد بعد طلاق بائن :
هنا لا يمكن للزوجة أن يمسها أو يطأها أي رجل سواء زوجها أو غيره خلال فترة العدة فيثبت نسب
الولد للزوج المطلق يشترط أن يولد في مدة عشرة أشهر من تاريخ الطلاق (المادة 43 من قانون الأسرة) ،لكن إذا أقرت بانقضاء عدتها في مدة يحتمل تصديقها وجاءت بالطفل لأكثر من ستة أشهر من تاريخ الإقرار لا يثبت للمطلق.
(1) عبد العزيز سعد ،ص219.
الفرع الثاني: نسب المولود بعد وفاة الزوج:
هنا أيضا يجب التمييز بين حالة إقرار الزوجة بانقضاء عدتها أين ينسب الطفل للزوج المتوفى
إذا وضعته الزوجة في أقل مدة للحمل أي أقل من ستة أشهر هنا يثبت النسب من الزوج المتوفى لاحتمال أن يكون الحمل من غيره لكون أن العدة قد انقضت و يفترض بذلك صحة إقرارها ،أما في حالة عدم إقرار الزوجة بانقضاء عدتها فان نسب المولود يثبت للمتوفى إذا وضعته ما بين تاريخ الوفاة و أقصى مدة الحمل أي عشرة أشهر أما أكثر من ذلك فلا يثبت النسب لأنه من غير المعقول أن تكون قد حملت بعد وفاة الزوج.
- هذا عن رأي المشرع فيما يخص ثبوت النسب بعد الطلاق أو الوفاة لكن نظرة الأئمة الأربعة مختلفة ،فرأي الإمام أبو حنيفة أنه يثبت نسب المطلقة رجعيا إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها ، ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به أقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فانه يثبت نسبه لتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار وهذا كذلك في المطلقة بائنا و المتوفى عنها زوجها إذا ادعت بعد أربعة عشر وعشرا انقضاء عدتها ثم جاءت بولد لتمام 06 أشهر لا يثبت نسبه من الميت وان جاءت به لأقل منها ثبت نسبه منه (1).
أما رأي المالكية و هي أربع سنين ،فعنِِِدهم إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو طلاقا يملك فيه
الرجعة،فإن الولد يلزم الزوج إذا جاءت به في أربع سنين،فالمعتدة إذا أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت بولد بستة أشهر فصاعدا من بعد انقضاء عدتها يلحق بالزوج ما لم تتزوج أو يبلغ أربعين سنة.
(1) د/أحمد أحمد موضوع النسب في الشريعة و القانون الطبعة الأولى 1983ص 133 .
المبحث الثاني :ثبوت النسب بالزواج الفاسد و نكاح الشبهة :
تنص المادة 40 من قانون الأسرة أنه يثبت النسب بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد
الدخول طبقا للمواد 32و33و34 من هذا القانون ومنه :
المطلب الأول:ثبوت النسب بالزواج الفاسد:
الفرع الأول:الزواج الفاسد و أسبابه:
الزواج الفاسد هو كل عقد وجد فيه الإيجاب و القبول ولكنه فقد شرطا من شروطه الأساسية (1)
الواردة في المادة 9 مكرر من قانون الأسرة كأن يكون العقد من دون ولي في حالة وجوبه أو صداق أو كأن يشتمل على مانع من موانع الزواج الشرعية أو عدم توافر أهلية الزوجين ،فهو الزواج الذي يختل فيه شرط من شروط الصحة ،ويتوفر فيه سببا من أسباب الفسخ ، فالفسخ هو الجزاء الذي قرره المشرع الجزائري على العقد الفاسد و الفسخ يكون وفقا للمواد 33و34 من قانون الأسرة :
- إذا تم الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه هذا قبل الدخول أما بعد الدخول فثبت الزواج بصداق المثل.
- إذا اشتمل الزواج على مانع قانوني أو شرعي سواء المؤبدة أو المؤقتة فانه يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب و وجوب العدة.
وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قراراتها حيث قضت في إحدى قراراتها
: "المحصنة أو المتزوجة تحرم على الزواج الثاني ،وأن هذا الزواج يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب"
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 32 من قانون الأسرة كانت قبل التعديل تقرر الفسخ إذا اشتمل
العقد على مانع أو شرط يتنافى مع مقتضيات العقد أو إذا ثبتت ردة الزوج ،إلا أنه وبموجب الأمر 05/02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة الجزائري قد تم تعديل المادة 32 منه والتي أصبحت تقرر بطلان الزواج في حالة اشتماله على شرط أو مانع يتنافى ومقتضيات العقد ،هذا مع الحذف بصفة كلية ردة الزوج كسبب من أسباب فسخ الزواج .فأصبحت المادة 32 من قانون الأسرة
تنص على الزواج الباطل ، إظافة إلى الفقرة الأولى من المادة 33 من قانون الأسرة التي أصبحت تقرر
(1) : د/العربي بلحاج ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري’الزواج و الطلاق طبعة 1999 ص 148.
بطلان الزواج اذا اختل ركن الرضا ففي ماعدا ذلك يعتبر الزواج فاسدا أي اذا اختل شرط من الشروط الواردة في المادة9 مكرر من لتقرير المشرع جزاء الفسخ .
ومنه فقد قرر المشرع الجزائري البطلان في حالتين هما:
- استمال العقد على مانع أو شرط يتنافى ومقتضياته.
- اختلال ركن الرضا فيه.
عدا هذا يعتبر العقد فاسدا رتب عليه بعض الأحكام بعد الدخول ،والزواج الفاسد والباطل بمعنى
واحد عند جمهور الفقهاء إلا الحنفية ،وعند المالكية فان الزواج الباطل أو الفاسد هو ما حصل خلل في ركن من أركانه أو شرط من شروط صحته.
الفرع الثاني : شروط ثبوت النسب من الزواج الفاسد:
المشرع لا يعترف بثبوت النسب في الزواج الفاسد قبل الدخول،بل يعتبره زنا و يتعرف به
بعد الدخول وتترتب عليه بعض الآثار القانونية ومنها ثبوت النسب ،الإرث ،النفقة،ذلك لمصلحة الولد خشية من ضياع نسبه.
كما حرص الدين كذلك على أن يثبت النسب في الزواج الفاسد كما يثبت في الزواج الصحيح
،إعمالا لمبدأ "وجوب الاحتياط لثبوت النسب حفاظا للولد من الضياع " لكنه يشترط في ذلك شروطا (1):
1- أن يكون الزوج قد دخل بالزوجة التي عقد عليها عقدا فاسدا ،فلو لم يكن هناك دخولا فلا محل للقول بالنسب ،لأن الفراش في النكاح الفاسد يثبت من حين الدخول الحقيقي.
2- أن يدعيه الأب بكيفية لا يرفضها العقل ولا العادة.
3- أن تأتي المرأة بالولد في أقل مدة للحمل وهي 6 أشهر.
إذن الشريعة الإسلامية توجب الاحتياط في الأنساب وتثبت النسب و تورث به في
النكاح ولو فاسد.
ويرى علماء الفقه بأنه ليس هناك فرق بين الزواج الفاسد و الصحيح من حيث ثبوت النسب
، إلا أنهم اختلفوا في حساب مدة الحمل أتكون من وقت العقد أم من وقت الدخول?
- فأبو حنيفة و أبو يوسف يحسبانها من وقت العقد.
- ومحمد بن الحسن يحسبها من وقت الدخول ،و رأيه هو الرجح و عليه الفتوى(2).
(1) أحمد محمود الشافعي ،المرجع السابق،ص149.
(2) أحمد محمود الشافعي، المرجع السابق،ص149
وبناءا على ما سبق يثبت نسب الولد الذي أتت به أمه لستة أشهر فأكثر من وقت الدخول بها،
وعلى ذلك يثبت النسب لكل ولد تأتي به بعد هذه المدة ما دام يعاشرها معاشرة الزواج،وذلك على الراجح بالنسبة لاعتبار وقت الدخول لا وقت العقد عليها ،أما إذا أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الدخول فان النسب لا يثبت (1).
أما أقصى فترة الحمل بالنسبة للزواج الفاسد، فإنها تحتسب من تاريخ التفريق بين الزوجين
،فان جاءت الزوجة بولد فبل مضي عشرة أشهر اعتبارا من يوم التفريق ثبت نسبه من أبويه(2).
و خلاصة القول أنه إذا كان العقد الفاسد يعتبر كالصحيح ،فيما يخص إثبات النسب فان المنطق
يقتضي أن يعامل كالعقد الصحيح من حيث احتساب مدة الحمل وهي من تاريخ إبرام العقد مع إمكان الدخول أو الاتصال على حد تعبير المشرع الجزائري.
المطلب الثاني:ثبوت النسب بنكاح الشبهة:
الفرع الأول:الدخول بشبهة و أنواعه:
تعرف الشبهة بأنها ما يشبه الثابت وليس بثابت، ونكاح الشبهة هو نكاح يقع خطأ بسبب غلط
يقع فيه الشخص وهو من الأحداث القليلة الوقوع في أيامنا هذه.والدخول بشبهة على ثلاثة أنواع،لأن الشبهة إما أن تكون شبهة الملك أو شبهة العقد أو شبهة الفعل
أولا : شبهة الملك :
وتسمى أيضا شبهة الحكم أو شبهة في المحل،حاصلها أن يشتبه الدليل الشرعي على الرجل
،فيفهم منه إباحة وقاع المرأة في حين أنه غير مباح له ومن أمثلتها: أن يواقع الرجل امرأته التي طلقها طلاقا بائنا وهي في عدتها منه ظنا أن وقاعها يكون مراجعة لها كما في المطلقة طلاقا رجعيا اعتمادا على قول الرسول (ص) :"الكنايات رواجع".(3)
(1) عبد العزيز عامر ،المرجع السابق،ص 77.
(2) د/ بلحاج العربي،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري،الزواج و الطلاق،طبعة1999 ،ص195.
(3) محمد محي الدين عبد الحميد ،الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ،طبعة أولى 1984 ص 362
ثانيا : شبهة العقد :
حاصله أن يتزوج رجل امرأة زواجا صحيحا في البداية على اعتقاد أنها حل له وهو حل لها،
ثم يتضح بعد الدخول أنها أخته من الرضاع ،مثلا،وهو بذلك يشبه إلى حد بعيد الزواج الفاسد من حيث أحكامه و أثاره.(1)
ثالثا: شبهة الفعل:
وفيها يعتقد الشخص حل الفعل و يظن في نفسه أن الحرام حلال من غير دليل قوي أو ضعيف،
أو خبر من الناس،ومن أمثلة ذلك :أن يأتي الزوج زوجته التي طلقها ثلاثا في العدة ،أو أن يواقع الرجل امرأة على أنها زوجته ثم يتبين له من بعد أنها ليست زوجته .(2)
الفرع الثاني:حكم النسب عند الوطء بشبهة:
للفقهاء أراء كثيرة حول ثبوت النسب بالدخول بالشبهة ففي بعضها أثبتوا النسب وفي الآخر
لم يثبتوه:
1- ففي شبهة الفعل: يرى البعض أن النسب لا يثبت للولد الحاصل من وطء ،في أية حالة من حالاتها ،وذلك لأن النسب لكي يثبت يجب أن يكون ملك أو حق في المحل،إذ هو لا يثبت بغير الفراش.
ولبعض الفقهاء اعتراض في شبهة الفعل ،اذ يقولون في من زفت له غير امرأته،وقيل له هذه امرأتك فوطئها،فهي ليست زوجته حقيقة،بل أجنبية عنه ،ومع أن هذا عندهم شبهة في الفعل فان النسب يثبت للولد الحاصل من وطء فيه.(3)
2- وفي شبهة العقد : فيها يسقط الحد عن الفاعل ،وان قال علمت أنها حرام ،ويثبت النسب ،لأن الوطء تعلقت به شبهة ،أما عند أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فان الحد لازم وكذلك لا يثبت النسب إن كان يعلم بالحرمة ،وعند الإمام مالك في نكاح المحارم أن من يعقد على أمه أو أخته أو عمته أو ذات رحم محرم منه ويطأها فانه يحد لذلك حد الزنا ،ما دام أنه عامد عالم بالتحريم ولا يثبت به نسب ،أما إذا لم يكن عالما بالحرمة ،فان الحكم منه عندهما هو الحكم عند أبى حنيفة فيسقط الحد ويثبت النسب (4)
(1) د/عبد العزيز سعد ،الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، طبعة 1989 ص214
(2) عبد العزيز عامر ،المرجع السابق ،ص81 .
(3) محمد محي الدين عبد الحميد ،المرجع السابق ،ص362
(4) د/عبد العزيز سعد ،الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري طبعة ثانية 1989 ص 214.
3- أما في شبهة الملك : فان النسب يثبت للولد الحاصل في الوطء بناء عليها إن ادعاه الواطئ ،وذلك لأن الفعل ليس يزنى لوجود الشبهة في المحل ،لأن النسب يحتاط في إثباته وجاء في الجوهرة أن كل موضع كانت الشبهة في المحل يثبت النسب منه إذا ادعاه .
تجدر الإشارة إلى أن فقهاء الشريعة الإسلامية أجمعوا على أن الاتصال الجنسي المبني
على الشبهة يمحو وصف الزنا والدليل على ذلك إثباتهم النسب في حال نكاح الشبهة ،وفي هذا الموضوع يقول الإمام أبو زهرة : "أن الزنا لا يثبت نسبا ،لقول النبي (ص) :الولد للفراش وللعاهر الحجر" ولأن ثبوت النسب نعمة ،والجريمة لا تثبت النعمة ،يستحق صاحبها النقمة ،والزنا الذي لا يثبت نسبا هو الفعل الخالي من أي شبهة مسقطة للحد ،فإذا كان ثمة شبهة تمحو وصف الجريمة أو تسقط الحد فقط ،فان النسب يثبت على الراجح في الحال الثانية ،و بالإجماع في الأولى "(1).
والواقع أنه مهما يكن ،فان أصول التشريع عند جميع الأئمة تستدعي عدم جواز الحكم على إنسان
تولد من ماء إنسان أنه ابن زنا متى أمكن حمله على أنه ابن شبهة ،فإذا توفر للقاضي تسعة وتسعون حيثية على أنه ابن زنا ،وتوفرت له حيثية واحدة على أنه ابن شبهة ،وجب عليه الأخذ بهذه الحيثية ، وطرح ما عداها ترجيحا للحلال على الحرام وللصحيح على الفاسد لقوله تعالى :"وقولوا للناس حسنا."(2)
وقد ثبت عن رسول الله (ص) عند جميع الأمة قوله "الحدود تدرأ بالشبهات" مما يعني أن الأحاديث و الآية القرآنية تحتم على كل إنسان أن لا يشهد ولا يحكم على أحد أنه تولد من حرام إلا بعد الجزم و اليقين أنه ليس في واقع الأمر أي نوع من أنواع الشبهة.(3)
ثبوت النسب بنكاح الشبهة هو واحد من الطرق التي تضمنتها المادة 40 من قانون الأسرة
الجزائري في مجال إثبات النسب وبالتالي فان المشرع قد أقر مطلقا ثبوت النسب في نكاح الشبهة إذا جاءت به المرأة ما بين أقل مدة الحمل و أقصاها .
ومن جهة صرح الأستاذ الفرنسي "بوسكي" أن نظام الشبهة وجد في الفقه الإسلامي كباب
مفتوحة للهروب من العقاب عن طريق محو وصف الجريمة و إسقاط الحد الشرعي ،فهو يرى أن الجريمة يستحق صاحبها العقاب الشرعي بدون تردد أو تهرب ،وردا على ذلك يرى الأستاذ "العربي
بلحاج" أن هذا الرأي بعيد عن الفكر العلمي الصارم وعن حقيقة التشريع الإسلامي الذي ينص بأن الشبهة لا تمحو وصف الجريمة ولا تسقط الحد إلا إذا ثبت الخطأ أو الغلط أو الجهل الذي وقع فيه الشخص بحسن نية ،"والأمر موكول لتقدير القاضي" (4).
(1) الإمام محمد أبو زهرة ،الأحوال الشخصية ،طبعة 1957 ،ص 388.
(2) سورة البقرة ،الآية 83.
(3) د/ سميح عاطف الزين ،العقود مجمع البيان الحديث ، موسوعة الأحكام الشرعية ،موسوعة الأحكام الشرعية المسيرة في الكتاب و السنة ،دار الكتاب المصري ، طبعة1994 ص186
(4) د/بالحاج العربي ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ، الزواج و الطلاق ،طبعة 1999 ،ص 197
أولا : شروط اللجوء إلى عملية التلقيح الاصطناعي :
عملية التلقيح الاصطناعي هي إدخال البذور الذكرية في الجهاز التناسلي للمرأة بغير الطريق الطبيعي ، وهذه العملية الحساسة تتم بكيفيتين هما التلقيح الداخلي و التلقيح الخارجي إلا انه و تنظيما لكل هذا ضبط المشرع هذه العملية بشروط وردت في نص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة و هي :
1-أن يكون الزواج شرعيا :
أي أن يثبت الزواج الصحيح بين الزوجين و وجود عقد زواج يعطي العملية أساسها القانوني وقد سبق التطرق إلى هذه النقطة أي الزواج الشرعي في الفرع الأول.
2- أن يكون التلقيح برضى الزوجين و أثناء حياتهما :
و قد وضع هذا الشرط حتى يلجأ الناس الى استعمال بنوك النطاف المجمدة و ما قد ينجر عنها
من فساد و اختلاط في الأنساب و تحايل من جهة , و نظرا لكون العلاقة الزوجية تنقضي بالوفاة من جهة أخرى ,و بالتالي لا يجوز أن تلقح المرأة بنطاف زوجها تلقيحا اصطناعيا و يلحق به النسب و العلاقة الزوجية تكون قد انتفت أو انتهت كما أنه لا نسب بعد الوفاة أو أقصى مدة الحمل و التي هي عشرة شهور وفقا لأحكام قانون الأسرة لا سيما المادة 43 من قانون الأسرة(1).
3- أن يتم بمني الزوج وبويضة رحم الزوجة دون غيرهما :
أجاز المشرع التلقيح الصناعي بالوسائل العلمية الحديثة باستعمال ماء الزوجين فقط حفاظا
على حرمة النسب و شرعيته و الذي كان قد أفتى بجوازه الشيخ أحمد حماني عليه رحمة الله منذ 1973 ,ولم يكن منفردا برأيه ولا بفتواه إذا اعتمدت توصيات اللجنة الوطنية لمراجعة قانون الأسرة على مبادئ الاجتهاد الجماعي سيما اجتهاد مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان الأردن أيام :11-16 أكتوبر 1986 بموجب قرار رقم 16 (04/03) الذي قرر جواز التلقيح الاصطناعي شرعا بطريقتين و حرمت ما عداها بعد الاستماع لشرح الخبراء و الأطباء و الطريقتان اللتين لا حرج من
(1) بن داود عبد القادر ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ، ص 113
اللجوء إليهما هما وفقا لمنطوق قرار مجمع الفقه الإسلامي (1).
1- أن تأخذ نطفة من الزوج و بويضة من زوجته و يتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
2- أن تأخذ بذرة الزوج و تحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليا.
ثانيا : مسألة تخلف إحدى شروط عملية التلقيح الإصطناعي :
عندما أباح المشرع الجزائري اللجوء إلى عملية التلقيح الإصطناعي بموجب الأمر 05/02 المعدل والمتمم لقانون الأسرة ،وضع شروطا سبق تبيانها على الوجهالذي ذكرناه ،إلا أنه لم يوضح الجزاء المترتب على تخلف إحدى هذه الشروط الواردة في المادة 45 مكرر ،نضرا لإعتبارها شروطا في غاية الأهمية تجعل التفكير عن الاثار المترتبة على تخلفها في غاية الدقة ،ومن تمة كان لا بد من التساؤل عن هذه المسألة.
فلو تصورنا مثلا أن عملية التلقيح الإصطناعي قد تمت من غير مني الزوج أو من دون عقد زواج شرعي أو بتخلف شرط موافقة الزوج الصريحة فما أثر ذلك ? وما موقف المشرع الجزائري في هذه المسألة?
في حقيقة الأمر أن المشرع الجزائري قد وضع إيطارا قانونيا لميألة التلقيح الإصطناعي دون أن
يفكر فيما يرتبه تخلف إحدى شروطه من اثار على العلاقة الزوجية من جهة أولى وبالنسبة لثبوت ونفي
النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (2) .
(1) قرارات و توصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ،للدورات 1-10 القرارات 1-97 عن منشورات دار القلم بدمشق و مجمع الفقه الإسلامي بجدة ،الطبعة 02 سنة 1998.
(2) د/إدوار غالي الذهبي ،دراسات في قانون العقوبات المقارن،جريمة التلقيح الإصطناعي في قانون العقوبات الليبي ، ص131
المادة 403 مكرر(أ) و 403 مكرر (ب) ،نشر هذا القانون،رقم 175 الصادر عن مجلس قيادة الثورة في الجريدة الرسمية، عدد 61 بتاريخ 23/12/1972 .
النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (1) .
فقد جاء في نص المادة 403 مكرر (أ) أنه :"كل من لقح إمرأة تلقيحا صناعيا بالقوة أو التهديد أو الخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات..... وتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على خمسة سنوات إذا كان التلقيح برضاها ،وتزاد العقوبة بمقدار النصف إذا وقعت الجريمة من طبيب أو صيدلي أو قابلة أو أحد معاونيهم "
أما المادة 403 مكرر (ب) فتنص على أنه :" تعاقب المرأة التي تقبل تلقيحها صناعيا أو تقوم بتلقيح نفسها صناعيا بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات، و يعاقب الزوج بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا كان التلقيح بعلمه ورضاه وسواء وقع التلقيح من الزوجة أو من الغير"
لذلك كان على المشرع التفكير في وضع إيطار جزائي لمثل هذه المخالفات كأثر يترتب على تخلف هذه الشروط التي تكتسي أهمية بالغة مثلما ذهبت إليه باقي التشريعات .
4- لا يجوز استعمال الأم البديلة :
رأي المشرع منع استعمال الأم البديلة ، حتى لا تتحول الأمومة إلى سلعة تؤجر و تستأجر ،
لأن الأمومة ليست فقط علاقة بيولوجية بل معنى الأمومة إنما يكمن في الحمل أساسا ، لذلك قال تعالى :ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن "(1) وقال "حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله و فصاله ثلاثون شهرا" (2).فربط القران الكريم بين الحمل و الأمومة فالتي تحمل هي الأم و ليست من تمنح البيضة لغيرها لقاء أجر معين ،فتعين من باب سد الذرائع و درأ المفسدة بمنع الأم البديلة مهما كان في هذه الطريقة من مصلحة آتية لان المفسدة فيها أكبر (3).
(1) الآية 14 من سورة لقمان.
(2) الآية 15 من سورة الأحقاف.
(3) بن داود عبد القادر،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ص113.
رابعا :عدم نفي الولد بالطرق المشروعة :
المشرع الجزائري لم يورد عبارة اللعان صراحة في المادة 41 من قانون الأسرة غير أن
عبارة اللعان وردت في المادة 138 من نفس القانون :"يمنع من الإرث اللعان و الرد".
فيستخلص من عموم عبارة "لم ينفه بالطرق المشروعة" انه رغم الحالات التي ذكرت في
المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري لثبوت النسب إلا أن المشرع أجاز للزوج نفيه بالطرق المشروعة فطبقا للقواعد و الأحكام الشرعية العامة ،حين يظهر حمل الزوجة و تبين للزوج أنه زنى زوجته ،يحق له
أن يدعي أن هذا الحمل ليس منه ،أما إذا مضى وقت طويل نسبيا بعد الحمل أوالوضع فانه لا يقبل منه نفي نسبه،وعلى هذه المبادئ سار القضاء الجزائري في أحكامه ،وقد جاء في قرار للمحكمة العليا:"اللعان لا يتم أمام المحاكم بل مكانه المسجد العتيق ولا يصبح من غيره ولا يصبح في غيره من المساجد ،وفي أجل محدد لا يتجاوز 08 أيام من يوم العلم بالحمل الذي يراد نفيه"
هذا ما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا ،مع أن الإمام مالك رضي الله عنه ،فقد حدد بيوم
واحد من يوم العلم و الإسقاط الحق في المطالبة باللعان سواء لرؤية أو لنفي الحمل (1)
أما عن كيفية إجراء الملاعنة بين الزوجين فانه إذا تبين للزوج احتمال خيانة زوجته له و يريد نفي المولود الذي أتت به بين أدنى و أقصى مدة الحمل أثناء قيام الزوجية فليس له إلا أن يرفع دعوى اللعان أمام المحكمة وبعد تعيين جلسة سرية يحضرها الزوج و الزوجة ويعرض كل منهما حججه و ادعاءاته وإذا أصر الزوج على اتهام الزوجة بالزنا فان القاضي يأمره بالملاعنة وهي أن يحلف ويقول أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به ويكرر هذا أربع وفي الخامسة يقول أن لعنة عليه أن كان من الكاذبين ،ثم يأمر الزوجة بعد ذلك أن تحلف و تقول أشهد بالله أنه لمن الكاذبين وتكررها أربع مرات وفي المرة الخامسة تقول :"أنه غضب الله عليها إن كان من الصادقين" و بعد الانتهاء من هذه الصيغة الشرعية يثبت القاضي ذلك في حكمه ويقرر التفريق بينهما حالا بطلقة بائنة.(2)
أما حكم الامتناع عن اللعان من الناحية القانونية :
فان امتناع الزوج عن اللعان يعرضه للمتابعة بتهمة القذف تطبيقا لأحكام المادة 296
من قانون العقوبات،أما المادة 298 فتحدد العقوبة بالحبس من 5 أيام إلى 6 أشهر وبغرامة من 150 إلى 1500دج أو بإحداها.
أما إذا كان الامتناع عن اللعان من الزوجة فان أحكام المادة 341 من قانون العقوبات نصت على
1) رسالة قانونية ،سنة 2002 ، ص15 ،قرار المحكمة العليا ،غ أ ش مؤرخ في 28/10/97
(2) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي والتلقيح الإصطناعي ، رسالة ماجستير في القانون الخاص ،سنة 2000 ص 80 .
أن تهمة الزنا لا تثبت إلا بثلاث وسائل ،بموجب محضر يحرره أحد رجال الضبط القضائي في حالة تلبس أو بإقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم أو إقرار قضائي ،ومن تم فانه بعدم توفر أحد هذه الأمور الثلاثة لا يمكن متابعة الزوجة بتهمة الزنا ،أو تفسير نكولها عن اللعان بأنه اعتراف ضمني منها بالزنا.
وعليه فإذا استطاع الزوج تقديم الدليل المذكور أعلاه فلا لعان حيث أن الزنا ثابت و اللعان
ما شرع إلا عندما لا يمكن للزوج أن يثبت الزنا بالدليل المطلوب ’لذا يمكنه قانونا رفع دعوى
اللعان أمام القضاء وقد حكم بأنه عند انعدام البينة على جريمة الزنا ،يستوجب اللعان بين الطرفين.
وتجدر الملاحظة في هذا المجال أن نفي الولد بالطرق المشروعة قد فتح أمام التعديل الذي
طرأ على المادة 40 بموجب الأمر 05/02 ،فيما يخص الطرق العلمية كوسيلة من وسائل هذا النفي ،باعتبارها من الطرق العلمية المشروعة لنفي النسب ،ذلك أن مفهوم المخالفة في ذلك أن استعمال هذه الوسائل لإثبات النسب يقتضي بالضرورة ،ومن باب أولي استعمل كذلك للنفي ،ما دامت تؤدي إلى نفس النتيجة الأكثر حتمية مقارنة باللعان الذي يبقى مجرد تصريح للزوجين يحتمل الصدق و الكذب معا .
إلا أنه و نظرا إلى كون الطرق العلمية هي الأمر الجديد في البحث و الذي خصصنا له مبحثا
كاملا في الفصل الثاني نتعرض فيه وبصورة أدق إلى دور هذه الطرق العلمية الحديثة سواء في مجال إثبات النسب أو الصورة العكسية أي نفيه نتناول هذه المسألة في العنوان المخصص لها.
المطلب الثاني: ثبوت النسب بعد الطلاق أو وفاة الزوج:
قد تكون الفرقة بين الزوجين بالطلاق أو الوفاة ، والسؤال الذي يمكن طرحه فيما يخص هذا
الموضوع هو إذا جاءت الزوجة بولد بعد الطلاق أو وفاة زوجها ،فهل ينسب إلى زوجها دون قيد أو شرط أم أنه هناك شروط لا بد من توفرها لإمكانية نسب الولد لأبيه ??
وهل أن نسب الولد لأبيه من طلاق يخضع لنفس الشروط لنسبه لأبيه من وفاة ?
لقد جددت المادة 43 من قانون الأسرة حكم المطلقة أو المتوفى عنها زوجها على أنه يثبت نسب
ولدها إذا ولدته خلال عشرة أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة لكن كما هو معلوم فالطلاق رجعي و بائن إلا أن المشرع الجزائري لم يميز بين المطلقة رجعيا و المطلقة بائنا مع أن الفقهاء فرقوا بينهما ، والفرق أن الطلاق الرجعي لا يرفع قيد الزواج إلا بعد انقضاء العدة و يمكن للزوج مراجعة زوجته و مجامعتها خلال فترة العدة وقد تحمل خلال ذلك وتمضي 10 أشهر على وقوع الطلاق ،ولم يمضي بعد عشرة أشهر على المراجعة الفعلية بوقوع زوجته (1) ،أما الطلاق البائن مثل الموت يرفع قيد الزواج على الحال (2).
لذلك لا بد من التمييز بين الطلاق الرجعي و البائن.
(1) د/ العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ،الزواج و الطلاق ، ص 193
(2) أحمد إبراهيم بك / واصل علاء الدين أحمد إبراهيم ،أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة و القانون سنة 1994،ص501
الفرع الأول: ثبوت نسب الولد بعد الطلاق:
أولا : نسب المولود بعد طلاق رجعي :
تنص المادة 43 من قانون الأسرة على أن الولد ينسب لأبيه إذا وضع الحمل خلال عشرة أشهر
من تاريخ الانفصال أو الوفاة.
* لكن وقبل التوسع أكثر في هذه النقطة لا بد من التعرض للغموض الذي تثيره كلمة" الانفصال" الواردة في نص المادة 43 من قانون الأسرة فالمادة 43 نصت على كلمة انفصال و التي يقابلها بالنص
.séparationالفرنسي
في حين تنص المادة 60 من نفس القانون على الطلاق الذي تقابله في النص الفرنسي كلمة .divorce
فهل المشرع قصد بالانفصال، الطلاق بمعنى الانفصال الجسدي (عدم الاتصال الجسدي) بين الزوجين مع بقائهما متزوجين أم يقصد به الطلاق بحكم من القاضي ??
فالقول أن الانفصال هو الطلاق كما هو وارد في نص المادة 60 من قانون الأسرة قد يضعنا
أمام مشكل في الواقع العملي فالطلاق في ظل القانون الجزائري لا يكون إلا بحكم وفقا للمادة 49 من قانون الأسرة ،لذلك فإننا نبدأ في حساب مدة العشرة أشهر من يوم صدور حكم الطلاق من القاضي ،لكن فهذه الوضعية تضعنا أمام صورة شاذة صورتها أنه يمكن للزوجة المطلقة أن تلد ولدا خلال مدة عشرة أشهر من تاريخ صدور حكم الطلاق وعلى هذا الأساس يثبت النسب للمطلق ويسجل في سجلات الحالة المدنية على اسمه ،إلا أن واقع الأمر أن الطفل قد أنجب خلال مدة أكبر من عشرة أشهر و هذا ما يتناقض و المبادئ الأساسية للنسب سواء شرعا أم قانونا لذلك فالمعنى الأصح للانفصال و الذي يتماشى مع أحكام النسب الشرعية هو الانفصال الفعلي بين الزوجين بغض النظر عن الطلاق بحكم القاضي الذي قد يتأخر صدوره عن تاريخ الانفصال الحقيقي للزوجين أي من يوم تلفظ الزوج للطلاق و فراقه لزوجته.
لكن و بما أن القانون لم يعطينا الحل هل حساب المدة المرجوة (العشرة أشهر) تحسب من تاريخ
الانفصال أو من تاريخ الطلاق بحكم القاضي ?
لهذا فالحل والى أن يكون النص القانوني غاية في الوضوح الأمر يعود إلى القاضي وتفسيره لكلمة "الانفصال"
أي يفسرها قياسا على القواعد العامة للنسب.
وكما قلنا سابقا أن المشرع لم يميز بين الطلاقين الرجعي والبائن ،إلا أن الطلاق الرجعي يمكن
فيه للزوج مراجعة زوجته خلال فترة العدة فيجامعها لذلك فانه إذا جاء الولد خلال فترة العدة دون إقرار الزوجة بانقضاء مدتها ففي هذه الحالة يثبت النسب من الزوج المطلق هذا سواء أتت به الزوجة لأقل مدة الحمل أو لأقصاها أو حتى لأكثر من عشرة أشهر من تاريخ الطلاق أما إذا جاء الولد بعد انقضاء العدة وهذا بإقرار الزوجة شخصيا بانتهاء المدة ففي هذه الحالة علينا التمييز بين :
- ما إذا أتت الزوجة بالطفل لأكثر من ستة أشهر من إقرارها فبذلك لا ينسب للمطلق لأنه يحتمل أن تلده الزوجة لرجل أخر.
- أما إذا جاءت بالطفل لأقل من ستة أشهر من إقرارها يثبت النسب للأب المطلق على أن المدة بين الطلاق (الفرقة) ووضع الحمل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل وهنا يثبت أن إقرارها غير صحيح بمعنى كاذب هذا لحملها في فترة العدة التي كانت تدعي انتهائها .
إلا أننا نلاحظ من خلال نص 43 من قانون الأسرة أنها وضعت شرطا واحدا لإمكانية إلحاق الولد
بالزواج المطلق أو المتوفى عن زوجته ، وهو ولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة ،وعليه فإذا كانت الزوجة المد خول بها الحامل قد جاءت بمولود بعد يوم أو أسبوع أو شهر من وفاة زوجها أو طلاقها منه فان هذا المولود ينسب إلى الزوج دون ريب أو خلاف ،وإذا لم يكن حملها ظاهرا قبل الطلاق أو الوفاة فان هذا الولد يلحق بأبيه إذا وقعت الولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال ،ويسجل في سجل الحالة المدنية على لقب الزوج أو اسمه ، ولكن إذا وقعت ولادته بعد مرور أكثر من 10 أشهر بعد الطلاق أو مرت فلا يثبت نسبه إلى أبيه ، إلا إذا نسبته الزوجة دون علم الزوج المطلق أو المتوفى أورثته ومن هنا من حق أي شخص له مصلحة أن يطعن في هذا النسب ويرفع دعوى أمام القضاء تتعلق بإسناد نسب
المولود إلى الزوج زورا (1).
ثانيا : نسب الولد بعد طلاق بائن :
هنا لا يمكن للزوجة أن يمسها أو يطأها أي رجل سواء زوجها أو غيره خلال فترة العدة فيثبت نسب
الولد للزوج المطلق يشترط أن يولد في مدة عشرة أشهر من تاريخ الطلاق (المادة 43 من قانون الأسرة) ،لكن إذا أقرت بانقضاء عدتها في مدة يحتمل تصديقها وجاءت بالطفل لأكثر من ستة أشهر من تاريخ الإقرار لا يثبت للمطلق.
(1) عبد العزيز سعد ،ص219.
الفرع الثاني: نسب المولود بعد وفاة الزوج:
هنا أيضا يجب التمييز بين حالة إقرار الزوجة بانقضاء عدتها أين ينسب الطفل للزوج المتوفى
إذا وضعته الزوجة في أقل مدة للحمل أي أقل من ستة أشهر هنا يثبت النسب من الزوج المتوفى لاحتمال أن يكون الحمل من غيره لكون أن العدة قد انقضت و يفترض بذلك صحة إقرارها ،أما في حالة عدم إقرار الزوجة بانقضاء عدتها فان نسب المولود يثبت للمتوفى إذا وضعته ما بين تاريخ الوفاة و أقصى مدة الحمل أي عشرة أشهر أما أكثر من ذلك فلا يثبت النسب لأنه من غير المعقول أن تكون قد حملت بعد وفاة الزوج.
- هذا عن رأي المشرع فيما يخص ثبوت النسب بعد الطلاق أو الوفاة لكن نظرة الأئمة الأربعة مختلفة ،فرأي الإمام أبو حنيفة أنه يثبت نسب المطلقة رجعيا إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها ، ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به أقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فانه يثبت نسبه لتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار وهذا كذلك في المطلقة بائنا و المتوفى عنها زوجها إذا ادعت بعد أربعة عشر وعشرا انقضاء عدتها ثم جاءت بولد لتمام 06 أشهر لا يثبت نسبه من الميت وان جاءت به لأقل منها ثبت نسبه منه (1).
أما رأي المالكية و هي أربع سنين ،فعنِِِدهم إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو طلاقا يملك فيه
الرجعة،فإن الولد يلزم الزوج إذا جاءت به في أربع سنين،فالمعتدة إذا أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت بولد بستة أشهر فصاعدا من بعد انقضاء عدتها يلحق بالزوج ما لم تتزوج أو يبلغ أربعين سنة.
(1) د/أحمد أحمد موضوع النسب في الشريعة و القانون الطبعة الأولى 1983ص 133 .
المبحث الثاني :ثبوت النسب بالزواج الفاسد و نكاح الشبهة :
تنص المادة 40 من قانون الأسرة أنه يثبت النسب بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد
الدخول طبقا للمواد 32و33و34 من هذا القانون ومنه :
المطلب الأول:ثبوت النسب بالزواج الفاسد:
الفرع الأول:الزواج الفاسد و أسبابه:
الزواج الفاسد هو كل عقد وجد فيه الإيجاب و القبول ولكنه فقد شرطا من شروطه الأساسية (1)
الواردة في المادة 9 مكرر من قانون الأسرة كأن يكون العقد من دون ولي في حالة وجوبه أو صداق أو كأن يشتمل على مانع من موانع الزواج الشرعية أو عدم توافر أهلية الزوجين ،فهو الزواج الذي يختل فيه شرط من شروط الصحة ،ويتوفر فيه سببا من أسباب الفسخ ، فالفسخ هو الجزاء الذي قرره المشرع الجزائري على العقد الفاسد و الفسخ يكون وفقا للمواد 33و34 من قانون الأسرة :
- إذا تم الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه هذا قبل الدخول أما بعد الدخول فثبت الزواج بصداق المثل.
- إذا اشتمل الزواج على مانع قانوني أو شرعي سواء المؤبدة أو المؤقتة فانه يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب و وجوب العدة.
وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قراراتها حيث قضت في إحدى قراراتها
: "المحصنة أو المتزوجة تحرم على الزواج الثاني ،وأن هذا الزواج يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب"
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 32 من قانون الأسرة كانت قبل التعديل تقرر الفسخ إذا اشتمل
العقد على مانع أو شرط يتنافى مع مقتضيات العقد أو إذا ثبتت ردة الزوج ،إلا أنه وبموجب الأمر 05/02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة الجزائري قد تم تعديل المادة 32 منه والتي أصبحت تقرر بطلان الزواج في حالة اشتماله على شرط أو مانع يتنافى ومقتضيات العقد ،هذا مع الحذف بصفة كلية ردة الزوج كسبب من أسباب فسخ الزواج .فأصبحت المادة 32 من قانون الأسرة
تنص على الزواج الباطل ، إظافة إلى الفقرة الأولى من المادة 33 من قانون الأسرة التي أصبحت تقرر
(1) : د/العربي بلحاج ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري’الزواج و الطلاق طبعة 1999 ص 148.
بطلان الزواج اذا اختل ركن الرضا ففي ماعدا ذلك يعتبر الزواج فاسدا أي اذا اختل شرط من الشروط الواردة في المادة9 مكرر من لتقرير المشرع جزاء الفسخ .
ومنه فقد قرر المشرع الجزائري البطلان في حالتين هما:
- استمال العقد على مانع أو شرط يتنافى ومقتضياته.
- اختلال ركن الرضا فيه.
عدا هذا يعتبر العقد فاسدا رتب عليه بعض الأحكام بعد الدخول ،والزواج الفاسد والباطل بمعنى
واحد عند جمهور الفقهاء إلا الحنفية ،وعند المالكية فان الزواج الباطل أو الفاسد هو ما حصل خلل في ركن من أركانه أو شرط من شروط صحته.
الفرع الثاني : شروط ثبوت النسب من الزواج الفاسد:
المشرع لا يعترف بثبوت النسب في الزواج الفاسد قبل الدخول،بل يعتبره زنا و يتعرف به
بعد الدخول وتترتب عليه بعض الآثار القانونية ومنها ثبوت النسب ،الإرث ،النفقة،ذلك لمصلحة الولد خشية من ضياع نسبه.
كما حرص الدين كذلك على أن يثبت النسب في الزواج الفاسد كما يثبت في الزواج الصحيح
،إعمالا لمبدأ "وجوب الاحتياط لثبوت النسب حفاظا للولد من الضياع " لكنه يشترط في ذلك شروطا (1):
1- أن يكون الزوج قد دخل بالزوجة التي عقد عليها عقدا فاسدا ،فلو لم يكن هناك دخولا فلا محل للقول بالنسب ،لأن الفراش في النكاح الفاسد يثبت من حين الدخول الحقيقي.
2- أن يدعيه الأب بكيفية لا يرفضها العقل ولا العادة.
3- أن تأتي المرأة بالولد في أقل مدة للحمل وهي 6 أشهر.
إذن الشريعة الإسلامية توجب الاحتياط في الأنساب وتثبت النسب و تورث به في
النكاح ولو فاسد.
ويرى علماء الفقه بأنه ليس هناك فرق بين الزواج الفاسد و الصحيح من حيث ثبوت النسب
، إلا أنهم اختلفوا في حساب مدة الحمل أتكون من وقت العقد أم من وقت الدخول?
- فأبو حنيفة و أبو يوسف يحسبانها من وقت العقد.
- ومحمد بن الحسن يحسبها من وقت الدخول ،و رأيه هو الرجح و عليه الفتوى(2).
(1) أحمد محمود الشافعي ،المرجع السابق،ص149.
(2) أحمد محمود الشافعي، المرجع السابق،ص149
وبناءا على ما سبق يثبت نسب الولد الذي أتت به أمه لستة أشهر فأكثر من وقت الدخول بها،
وعلى ذلك يثبت النسب لكل ولد تأتي به بعد هذه المدة ما دام يعاشرها معاشرة الزواج،وذلك على الراجح بالنسبة لاعتبار وقت الدخول لا وقت العقد عليها ،أما إذا أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الدخول فان النسب لا يثبت (1).
أما أقصى فترة الحمل بالنسبة للزواج الفاسد، فإنها تحتسب من تاريخ التفريق بين الزوجين
،فان جاءت الزوجة بولد فبل مضي عشرة أشهر اعتبارا من يوم التفريق ثبت نسبه من أبويه(2).
و خلاصة القول أنه إذا كان العقد الفاسد يعتبر كالصحيح ،فيما يخص إثبات النسب فان المنطق
يقتضي أن يعامل كالعقد الصحيح من حيث احتساب مدة الحمل وهي من تاريخ إبرام العقد مع إمكان الدخول أو الاتصال على حد تعبير المشرع الجزائري.
المطلب الثاني:ثبوت النسب بنكاح الشبهة:
الفرع الأول:الدخول بشبهة و أنواعه:
تعرف الشبهة بأنها ما يشبه الثابت وليس بثابت، ونكاح الشبهة هو نكاح يقع خطأ بسبب غلط
يقع فيه الشخص وهو من الأحداث القليلة الوقوع في أيامنا هذه.والدخول بشبهة على ثلاثة أنواع،لأن الشبهة إما أن تكون شبهة الملك أو شبهة العقد أو شبهة الفعل
أولا : شبهة الملك :
وتسمى أيضا شبهة الحكم أو شبهة في المحل،حاصلها أن يشتبه الدليل الشرعي على الرجل
،فيفهم منه إباحة وقاع المرأة في حين أنه غير مباح له ومن أمثلتها: أن يواقع الرجل امرأته التي طلقها طلاقا بائنا وهي في عدتها منه ظنا أن وقاعها يكون مراجعة لها كما في المطلقة طلاقا رجعيا اعتمادا على قول الرسول (ص) :"الكنايات رواجع".(3)
(1) عبد العزيز عامر ،المرجع السابق،ص 77.
(2) د/ بلحاج العربي،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري،الزواج و الطلاق،طبعة1999 ،ص195.
(3) محمد محي الدين عبد الحميد ،الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ،طبعة أولى 1984 ص 362
ثانيا : شبهة العقد :
حاصله أن يتزوج رجل امرأة زواجا صحيحا في البداية على اعتقاد أنها حل له وهو حل لها،
ثم يتضح بعد الدخول أنها أخته من الرضاع ،مثلا،وهو بذلك يشبه إلى حد بعيد الزواج الفاسد من حيث أحكامه و أثاره.(1)
ثالثا: شبهة الفعل:
وفيها يعتقد الشخص حل الفعل و يظن في نفسه أن الحرام حلال من غير دليل قوي أو ضعيف،
أو خبر من الناس،ومن أمثلة ذلك :أن يأتي الزوج زوجته التي طلقها ثلاثا في العدة ،أو أن يواقع الرجل امرأة على أنها زوجته ثم يتبين له من بعد أنها ليست زوجته .(2)
الفرع الثاني:حكم النسب عند الوطء بشبهة:
للفقهاء أراء كثيرة حول ثبوت النسب بالدخول بالشبهة ففي بعضها أثبتوا النسب وفي الآخر
لم يثبتوه:
1- ففي شبهة الفعل: يرى البعض أن النسب لا يثبت للولد الحاصل من وطء ،في أية حالة من حالاتها ،وذلك لأن النسب لكي يثبت يجب أن يكون ملك أو حق في المحل،إذ هو لا يثبت بغير الفراش.
ولبعض الفقهاء اعتراض في شبهة الفعل ،اذ يقولون في من زفت له غير امرأته،وقيل له هذه امرأتك فوطئها،فهي ليست زوجته حقيقة،بل أجنبية عنه ،ومع أن هذا عندهم شبهة في الفعل فان النسب يثبت للولد الحاصل من وطء فيه.(3)
2- وفي شبهة العقد : فيها يسقط الحد عن الفاعل ،وان قال علمت أنها حرام ،ويثبت النسب ،لأن الوطء تعلقت به شبهة ،أما عند أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فان الحد لازم وكذلك لا يثبت النسب إن كان يعلم بالحرمة ،وعند الإمام مالك في نكاح المحارم أن من يعقد على أمه أو أخته أو عمته أو ذات رحم محرم منه ويطأها فانه يحد لذلك حد الزنا ،ما دام أنه عامد عالم بالتحريم ولا يثبت به نسب ،أما إذا لم يكن عالما بالحرمة ،فان الحكم منه عندهما هو الحكم عند أبى حنيفة فيسقط الحد ويثبت النسب (4)
(1) د/عبد العزيز سعد ،الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، طبعة 1989 ص214
(2) عبد العزيز عامر ،المرجع السابق ،ص81 .
(3) محمد محي الدين عبد الحميد ،المرجع السابق ،ص362
(4) د/عبد العزيز سعد ،الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري طبعة ثانية 1989 ص 214.
3- أما في شبهة الملك : فان النسب يثبت للولد الحاصل في الوطء بناء عليها إن ادعاه الواطئ ،وذلك لأن الفعل ليس يزنى لوجود الشبهة في المحل ،لأن النسب يحتاط في إثباته وجاء في الجوهرة أن كل موضع كانت الشبهة في المحل يثبت النسب منه إذا ادعاه .
تجدر الإشارة إلى أن فقهاء الشريعة الإسلامية أجمعوا على أن الاتصال الجنسي المبني
على الشبهة يمحو وصف الزنا والدليل على ذلك إثباتهم النسب في حال نكاح الشبهة ،وفي هذا الموضوع يقول الإمام أبو زهرة : "أن الزنا لا يثبت نسبا ،لقول النبي (ص) :الولد للفراش وللعاهر الحجر" ولأن ثبوت النسب نعمة ،والجريمة لا تثبت النعمة ،يستحق صاحبها النقمة ،والزنا الذي لا يثبت نسبا هو الفعل الخالي من أي شبهة مسقطة للحد ،فإذا كان ثمة شبهة تمحو وصف الجريمة أو تسقط الحد فقط ،فان النسب يثبت على الراجح في الحال الثانية ،و بالإجماع في الأولى "(1).
والواقع أنه مهما يكن ،فان أصول التشريع عند جميع الأئمة تستدعي عدم جواز الحكم على إنسان
تولد من ماء إنسان أنه ابن زنا متى أمكن حمله على أنه ابن شبهة ،فإذا توفر للقاضي تسعة وتسعون حيثية على أنه ابن زنا ،وتوفرت له حيثية واحدة على أنه ابن شبهة ،وجب عليه الأخذ بهذه الحيثية ، وطرح ما عداها ترجيحا للحلال على الحرام وللصحيح على الفاسد لقوله تعالى :"وقولوا للناس حسنا."(2)
وقد ثبت عن رسول الله (ص) عند جميع الأمة قوله "الحدود تدرأ بالشبهات" مما يعني أن الأحاديث و الآية القرآنية تحتم على كل إنسان أن لا يشهد ولا يحكم على أحد أنه تولد من حرام إلا بعد الجزم و اليقين أنه ليس في واقع الأمر أي نوع من أنواع الشبهة.(3)
ثبوت النسب بنكاح الشبهة هو واحد من الطرق التي تضمنتها المادة 40 من قانون الأسرة
الجزائري في مجال إثبات النسب وبالتالي فان المشرع قد أقر مطلقا ثبوت النسب في نكاح الشبهة إذا جاءت به المرأة ما بين أقل مدة الحمل و أقصاها .
ومن جهة صرح الأستاذ الفرنسي "بوسكي" أن نظام الشبهة وجد في الفقه الإسلامي كباب
مفتوحة للهروب من العقاب عن طريق محو وصف الجريمة و إسقاط الحد الشرعي ،فهو يرى أن الجريمة يستحق صاحبها العقاب الشرعي بدون تردد أو تهرب ،وردا على ذلك يرى الأستاذ "العربي
بلحاج" أن هذا الرأي بعيد عن الفكر العلمي الصارم وعن حقيقة التشريع الإسلامي الذي ينص بأن الشبهة لا تمحو وصف الجريمة ولا تسقط الحد إلا إذا ثبت الخطأ أو الغلط أو الجهل الذي وقع فيه الشخص بحسن نية ،"والأمر موكول لتقدير القاضي" (4).
(1) الإمام محمد أبو زهرة ،الأحوال الشخصية ،طبعة 1957 ،ص 388.
(2) سورة البقرة ،الآية 83.
(3) د/ سميح عاطف الزين ،العقود مجمع البيان الحديث ، موسوعة الأحكام الشرعية ،موسوعة الأحكام الشرعية المسيرة في الكتاب و السنة ،دار الكتاب المصري ، طبعة1994 ص186
(4) د/بالحاج العربي ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ، الزواج و الطلاق ،طبعة 1999 ،ص 197